كان لحلول فصل الخريف في الريف طقوسه الخاصة بالنسبة لأبناء القرية، حيث يبدأ الرجال والنساء في مثل هذا الوقت من كل عام بالانشغال بصيانة البيوت الطينية استعداداً لاستقبال فصل الشتاء وأمطاره الغزيرة. يمدون يد العون لبعضهم البعض كل حسب جهده وقدرته، كخلية نحل متكاملة الوظائف والأدوار.
مع بداية ساعات الصباح الأولى، كانت النساء أو الفتيات يقمن بجمع القش وتكديسه في أكوام صغيرة ليسهُل عليهم نقله ورفعه بدورهن إلى يد الرجال، ومن ثم توزيعه بشكل متساوٍ على السطح الممهد للتلييس.
أما عملية تجهيز الطين (أو الجبلة)، فكان ينقع التراب بالماء ليوم كامل، ويُخلط بالتبن لمساعدة الطين على التماسك ومنع تشققه بعد التطيين.
أما المشاركون في العمل، فكانوا يتقاسمون الأدوار فيما بينهم، فيعمل أحدهم بعجن الجبلة بقدميه وتقليبها بالمجرفة بشكل جيد، بينما يقوم آخر بتعبئة السطول المخصصة للوحل، ومن ثم رفعها للآخرين فوق السلالم، ومنهم إلى آخرين فوق السطح. وكان هناك دائماً شخص ذو خبرة في الصيانة والتلييس، يقوم بتعديل القش وتلييسه، وعند الانتهاء، يرشه بالملح لمنع إنبات الحشائش والأعشاب التي قد تفسد التلييس المجفف والمصقل فيما بعد.
ولا تخلو هذه الأجواء من الأغاني والموسيقى التي تصدح من المسجلات، أو من الهتافات الحماسية من الآباء بين حين وآخر لشد الهمم وإثارة النشاط في نفوس الشباب. بينما أباريق الشاي لم تكن تنقطع بين كل استراحة وأخرى، لتزيدهم دفعة أخرى من النشاط والحيوية.
كم كانت أياماً مليئة بالكدح والمتاعب، وفي نفس الوقت مليئة بالحب والتعاون والروح القروية المتكاملة.
طقوس الخريف في القرية – تلييس البيوت بروح الجماعة
محسن ملا شمس الدين حسن