في غابر الأزمان، كانت منطقة "ديريك" وقراها تعج بشخصيات فريدة، سكنت التلال واختبأت بين الأشجار، فصارت أسماؤهم جزءاً من أساطير الأرض. من "علي بِي جَه طه" إلى "شيخ محمد باشا" الأشرس بينهم، وصولاً إلى بطل قصتنا "خالدي دين".
كان ذلك يوماً من أيام الصيف والشمس تلملم خيوطها الذهبية لتستعد للرحيل. في "البيادر"، كانت الحركة لا تهدأ؛ الفلاحون ينهون أعمالهم، والأطفال يعتلون "الجه نجرة" بضحكاتهم الصاخبة، مستمتعين بدورانها فوق أعواد القش.
فجأة، انكسر هدوء المشهد. رُصد "خالدي دين" وهو يركض بجنون، مخترقاً الحقول باتجاه قرية "علي كاميش"، وعيناه مسمرتان نحو "تلة بروج". كان يركض كمن يطارد كنزاً ثميناً، وخلفه مجموعة من فتية القرية يلاحقونه وهم يهتفون، بينما هو يصرخ بصوت مبحوح:
"سأمسك بك.. حتماً سأمسك بك!"
رأى المرحوم عثمان سينمى هذا المشهد، فهبّ مسرعاً خلف خالد ليمنعه من إيذاء نفسه أو الضياع في عتمة الليل المقتربة. استمرت المطاردة حتى قمة التلة، وهناك، وبينما كان خالد يمد يده إلى الفراغ بكل قوته، أمسك به عثمان وأوقفه وهو يلتقط أنفاسه.
سأله المرحوم عثمان مستغرباً: — "ماذا تفعل يا خالد؟ ولماذا تركض بكل هذه القوة؟"
التفت إليه خالد، وكانت ملامحه تمزج بين اللهفة والخذلان، وأشار بيده نحو الأفق قائلاً: — "أريد إمساك القمر! انظر.. إنه قريب جداً منا فوق هذه التلة، كنت سألمسه بيدي!"
تعالت ضحكات الأطفال الذين وصلوا لتوهم، وابتسم المرحوم عثمان من طيبة هذا الرجل الذي لم يرَ في القمر جرماً سماوياً بعيداً، بل رآه رفيقاً يمكن الإمساك به فوق التلال.
حكاية من بيادر "كنكلو"
محي الدين فقة