حجارة الأطفال في وجه الآليات العسكرية.. في رواية أخرى

person محسن ملا شمس الدين حسن
Story Image
في أوائل السبعينات، عندما كانت ثورة البارزاني الخالدة في أوجها للمطالبة بالحق في الحكم الذاتي، كان النظام في سوريا قد شارك بإرسال بعض قواته من الجيش للدفاع المشترك مع القوات العراقية لمحاربة ثورة البارزاني. هذه القوات، من النخبة السورية أبناء الساحل ذي الطبيعة الجبلية، مُنيت بخسائر فادحة وأصابها الخذلان والويلات على أيدي أفراد البيشمركة البواسل. وما زال الأحياء منهم يروون الروايات والقصص المثيرة عمّا شاهدوه بأم أعينهم مما جرى لهم مع القوات الكردية المدافعة.

في تلك الأثناء، كانت كتائب السيارات العسكرية للنظام البعثي السوري تجوب بين الفينة والأخرى المنطقة والقرى الحدودية، ومنها قرية كنكلو. في ذلك الوقت، كان حتى الاستماع إلى أخبار النشرات الكردية عبر الراديو من المحظورات. وكلما كنا نسمع بقدوم هذه السيارات المدججة بالسلاح، كنا نتخفى في أكواخ وأزقة القرية، تحاشياً لأسئلتهم ومحاولاتهم سحب المعلومات منا نحن الأطفال.

في إحدى الحوادث الطريفة التي لم تكن في الحسبان، قرر صبية وأطفال القرية من الجيل الأسبق، أمثال عبد الرحمن محمد كري، وإبراهيم خليفة، ومحمد أمين، وزكي فقه، وعلي حسين، وعدنان، وغيرهم من أقرانهم، ومن دون علم مسبق من الآباء، سدّ طريق منعطف «الآخ صورك» الضيق، وهو المنفذ الوحيد أمام هذه القوات، للحيلولة دون عبورها من القرية ومشاركتها في محاربة ثورة البارزاني. فقاموا بدحرجة الصخور والحجارة من التلة المحاذية، وتم إغلاق الطريق بالكامل بكومة من الحجارة والصخور المتراكمة.

وعندما وصلت آليات الجيش السوري من جهة السفان متجهة إلى الحدود العراقية، تفاجأوا بالطريق المغلق، وأصابهم الشك والهلع من احتمال وقوعهم في كمين للبيشمركة. عندها أضمروا الشر وهددوا بالانتقام من القرية، ملوحين بإحراقها إذا لم يظهر لهم من يقف وراء هذا الحادث المدبر، حسب ظنهم. وفي تلك الأثناء، هرب جميع شباب ورجال القرية باتجاه التلال والوديان المجاورة، تحاشياً للوقوع في يد العسكر واعتقالهم.

لكن، وبحسب رواية الوالدة المرحومة، قرر المرحوم ملا شمس الدين المجازفة ومواجهتهم لإنهاء الموقف بشكل سلمي، وهو موقف لم يكن في حسبان الآباء وكبار أهل القرية. فتوجه لمقابلة الضابط الذي كان يبحث عن الرجال والشباب أو عن البيشمركة، بحسب اعتقاده، وطمأنه بأن ما حدث لم يكن سوى عبث أطفال وصبيان بالحجارة، ولعبهم بدحرجة الصخور، ولا علاقة لأي من الكبار أو للبيشمركة بوضع كمائن أو بسوء نية تجاههم. وبعد أن اطمأنوا إلى الأمر، طلبوا منه إرشادهم إلى طريق مخفر «طوراميشا»، وغادروا القرية باتجاه وجهتهم.

وانتهت هذه المصيبة بسلام، على يد صبيان لم يكونوا في الحسبان، وكادت أن تتحول إلى عقاب جماعي، كما حصل لاحقاً مع جماعة «ح.م.ا.س» وغزة.

رحم الله والديكم جميعاً، وأمدّ بعمر الصبيان المشاغبين الذين أصبحوا اليوم جدوداً.
photo_camera radio