كانت الشمس تميل نحو المغيب، تصبغ قمة "جبل جودي" بلون ابيض مهيب من الشمال ومن جهة الشرق جبل بى خير مثل السفينة، وكأنهم يراقبون القرية من مكانهم العالي. ، كانت الطريق إلى "السفان" ليست مجرد درب للمشي، بل رحلة تمتزج فيها مشقة ألعابنا ومشقة أعمال أباءنا وحنان أمهاتنا و ببركة أرواحنا.
عند نزلة الطريق نحو السفان، بجانب المقبرة الصامتة، وبالقرب من بيت "المرحوم سيد حسن"، كانت تلك الأكوام العجيبة من الحجارة. "شيكير"، " (Şikêr)
تراكمت عبر السنين بلمسات العابرين. لم تكن مجرد أحجار صماء، بل كانت مخزناً لأسرار الناس، وأحلام الصغار، ودعوات الأمهات وقلوب الشباب وأمنياتهم بتلك الفتات التي يعشقونها في قلوبهم.
كنا صغاراً، نعود من "السفان" وقد نال من التعب ( السباحة – صيد العصافير – توت العليق –وووو) ، لكن أرواحنا تنتعش حين نقترب من تلك الأكوام. كان أحدنا ينحني بعفوية، يختار حجراً أو اثنين بعناية، وكأنه يختار أثمن الجواهر. نغمض أعيننا، ونهمس في سرنا بأمنية غالية: "يا رب، نجاحاً في المدرسة"، "يا رب، شفاءً لاحد من عائلتي"، أو ربما أمنية بسيطة بحجم قطعة حلوى.
كنا نقف بوجه الجبل الشامخ، نرفع الحجر عالياً ثم نرميه فوق الكومة، لتختلط أمنيتنا بأمنيات المئات الذين مروا من هنا قبلنا.
ومع صوت ارتطام الحجر بالأحجار، كنا نتمتم بالكلمات السحرية التي حفظناها عن ظهر قلب يا رب حقق لنا هذه
(Tu me bidî xatirê Cûdîyê Mirada......... pêk bînî)
في تلك اللحظة، كان الشعور باليقين يملأ صدورنا. كنا نؤمن أن جبل جودي له قوة خارقة و الذي رست عليه سفينة نوح، والذي يسمونه "جوديه مرادا"، قد سمع همسنا، وأن تلك الحجارة التي رميناها أصبحت شهوداً على أحلامنا.
كنا نكمل طريقنا نحو البيوت بقلوب خفيفة، ونحن ننظر إلى قمة الجبل البعيدة، واثقين أن أمنياتنا باتت في عهدته وأن الغد سيحمل معه الفرج وتحقيق تلك الأمنية
جوديه مرادا Cûdî yê Mirada
محي الدين فقة